مواقف النساء لمصائب عاشوراء
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 3 أشهرمما يشجي القلب ويثير الأسى ما تعرضت له نساء بني هاشم يوم عاشوراء بعد مصرع رجالهن. كانت النساء الثكلى بحاجة إلى من يواسيهن ويقدم لهن التعازي، كما جرت العادة عند وقوع المصائب. يُتوقع في مثل هذه الظروف أن يتقدم الناس لمواساة المتضررين وتقديم ما يخفف عن همومهم وأحزانهم. لكن ما حدث في كربلاء كان عكس ذلك تماماً. لم يكتفِ جنود بني أمية بعدم تقديم العزاء، بل زادوا على ذلك بإهانة النساء من خلال سبيهن وسلبهن وضربهن، مما ضاعف من مأساتهن وآلامهن، وهنا أقتبس لكم ما ذكره الشيخ الصدوق في أماليه عن فاطمة بنت الحسين عليه السلام:
« دَخَلَتِ الغاغَةُ(1) عَلَينَا الفُسطاطَ ، وأنَا جارِيَةٌ صَغيرَةٌ ، وفي رِجلَيَّ خَلخالانِ مِن ذَهَبٍ ، فَجَعَلَ رَجُلٌ يَفُضُّ الخَلخالَينِ مِن رِجلَيَّ ، وهُوَ يَبكي . فَقُلتُ : ما يُبكيكَ ، يا عَدُوَّ اللَّهِ ؟ فَقالَ : كَيفَ لا أبكي وأنَا أسلُبُ ابنَةَ رَسولِ اللَّهِ ؟ فَقُلتُ : لا تَسلُبني ! قالَ : أخافُ أن يَجيءَ غَيري فَيَأخُذَهُ ! قالَت : وَانتَهَبوا ما فِي الأَبنِيَةِ حَتّى كانوا يَنزِعونَ المَلاحِفَ(2) عَن ظُهورِنا » (3).
النساء تفزع لشدة مصائب أهل البيت عليهم السلام
جاء في كتاب اللهوف على قتلى الطفوف : تَسابَقَ القَومُ عَلى نَهبِ بُيوتِ آلِ الرَّسولِ وقُرَّةِ عَينِ الزَّهراءِ البَتولِ ، حَتّى جَعَلوا يَنتَزِعونَ مِلحَفَةَ المَرأَةِ عَن ظَهرِها ، وخَرَجَ بَناتُ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وحَريمُهُ يَتَساعَدنَ عَلَى البُكاءِ ، ويَندُبنَ لِفِراقِ الحُماةِ وَالأَحِبّاءِ . فَرَوى حُمَيدُ بنُ مُسلِمٍ ، قالَ : رَأَيتُ امرَأَةً مِن بَني بَكرِ بنِ وائِلٍ كانَت مَعَ زَوجِها في أصحابِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ ، فَلَمّا رَأَتِ القَومَ قَدِ اقتَحَموا عَلى نِساءِ الحُسَينِ عليه السلام في فُسطاطِهِنَّ ، وهُم يَسلُبونَهُنَّ ، أخَذَت سَيفاً وأقبَلَت نَحوَ الفُسطاطِ ، وقالَت : يا آلَ بَكرِ بنِ وائِلٍ ، أتُسلَبُ بَناتُ رَسولِ اللَّهِ ؟ ! لا حُكمَ إلّا للَّهِِ ، يا لَثاراتِ رَسولِ اللَّهِ ! فَأَخَذَها زَوجُها فَرَدَّها إلى رَحلِهِ (4).
تصف الرواية ما حدث بعد استشهاد الحسين وأصحابه، حيث قام جنود عمر بن سعد بالهجوم على خيام أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلب متاعهم. وفي هذا السياق، يبرز الدور البطولي لإحدى النساء من بني بكر بن وائل، التي كانت موجودة مع زوجها في صفوف جيش عمر بن سعد.
النساء تفزع لشدة مصائب أهل البيت عليهم السلام
جاء في كتاب اللهوف على قتلى الطفوف : تَسابَقَ القَومُ عَلى نَهبِ بُيوتِ آلِ الرَّسولِ وقُرَّةِ عَينِ الزَّهراءِ البَتولِ ، حَتّى جَعَلوا يَنتَزِعونَ مِلحَفَةَ المَرأَةِ عَن ظَهرِها ، وخَرَجَ بَناتُ رَسولِ اللَّهِ صلى اللَّه عليه وآله وحَريمُهُ يَتَساعَدنَ عَلَى البُكاءِ ، ويَندُبنَ لِفِراقِ الحُماةِ وَالأَحِبّاءِ . فَرَوى حُمَيدُ بنُ مُسلِمٍ ، قالَ : رَأَيتُ امرَأَةً مِن بَني بَكرِ بنِ وائِلٍ كانَت مَعَ زَوجِها في أصحابِ عُمَرَ بنِ سَعدٍ ، فَلَمّا رَأَتِ القَومَ قَدِ اقتَحَموا عَلى نِساءِ الحُسَينِ عليه السلام في فُسطاطِهِنَّ ، وهُم يَسلُبونَهُنَّ ، أخَذَت سَيفاً وأقبَلَت نَحوَ الفُسطاطِ ، وقالَت : يا آلَ بَكرِ بنِ وائِلٍ ، أتُسلَبُ بَناتُ رَسولِ اللَّهِ ؟ ! لا حُكمَ إلّا للَّهِِ ، يا لَثاراتِ رَسولِ اللَّهِ ! فَأَخَذَها زَوجُها فَرَدَّها إلى رَحلِهِ (4).
تصف الرواية ما حدث بعد استشهاد الحسين وأصحابه، حيث قام جنود عمر بن سعد بالهجوم على خيام أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلب متاعهم. وفي هذا السياق، يبرز الدور البطولي لإحدى النساء من بني بكر بن وائل، التي كانت موجودة مع زوجها في صفوف جيش عمر بن سعد.
الهجوم على بيوت آل الرسول
تبدأ الرواية بوصف الفوضى التي عمّت بعد مقتل الإمام الحسين، حيث تسابق الجنود على نهب بيوت آل الرسول صلى الله عليه وآله. لم يتورعوا عن انتزاع ملحفة (ثوب) المرأة من على ظهرها، في إشارة إلى قسوة ووحشية هذا التصرف.
خرجت بنات الرسول وحريمه يبكين ويندبن فقدان أحبائهن والمدافعين عنهن، في مشهد مليء بالألم والحسرة.
أخذت المرأة سيفاً واندفعت نحو الفسطاط (الخيمة) وهي تصرخ مستنكرة ما يجري، قائلة: "يا آل بكر بن وائل، أتُسلب بنات رسول الله؟! لا حكم إلا لله، يا لثارات رسول الله!".
حاولت المرأة الدفاع عن بنات الرسول، مما يظهر شجاعتها ونبل موقفها، لكن زوجها تدخل وأعادها إلى رحلها.
مقام النساء في محاماة نساء الحسين عليه السلام
الشجاعة والتضحية: تُظهر الرواية شجاعة المرأة ومحاولتها حماية نساء الحسين بالرغم من الخطر المحيط بها، وهو دليل على روح التضحية والإيثار.
الغيرة على أهل البيت: موقف المرأة يعكس الغيرة على كرامة أهل بيت النبي، والشعور بالواجب في الدفاع عنهم حتى من قبل من كانوا في صفوف العدو.
موقف نساء الكوفة للنساء المسبيات
جاء في كتاب اللهوف قال الراوي : فَأَشْرَفَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْكُوفِيَّاتِ فَقَالَتْ مِنْ أَيِّ الْأُسَارَى أَنْتُنَّ فَقُلْنَ نَحْنُ أُسَارَى آلِ مُحَمَّدٍ ص فَنَزَلَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ سَطْحِهَا فَجَمَعَتْ لَهُنَّ مُلَاءً وَ أُزُراً وَ مَقَانِعَ وَ أَعْطَتْهُنَّ فَتَغَطَّيْنَ.
السؤال عن الأسارى: امرأة كوفية أشرفت من سطح منزلها وسألت الأسيرات عن هويتهن. عندما علمت أنهن من أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله ، تغير موقفها فورًا.
التعاطف والمساعدة: نزلت المرأة من سطح منزلها وجمعت ملابس (ملاء، أزر، مقانع) وأعطتها للأسيرات، لكي يتغطين ويسترن أنفسهن.
لا شك أن جلب المقانع من قبل النساء الكوفيات ساهم في انتشار الخبر بسرعة كبيرة. تلك النسوة اللاتي كن يقفن على سطوح منازلهن وينظرن إلى الموكب القادم إلى الكوفة، والذي كان يرافقه العزف على الطنبور والبوق للإعلان عن عودة الجيش منتصراً، ساعدن في نقل الخبر إلى باقي النساء، ثم إلى الرجال والأطفال. اندفع الجميع إلى الطرقات، يسيرون بجانب هذا الموكب المحمدي، بانتظار ما سيفعله عبيد الله بن زياد، والي الكوفة.
لقد كانت الصدمة الثقافية لهذه الأحداث ذات تأثير نفسي وفكري كبير على أهل الكوفة. اندفع الناس للتعامل بشكل يكشف عن رغبتهم في التماس العذر وتقديم الإحسان لهذا الركب المحمدي، فبادروا إلى جمع التمر والجوز وتقديمه للأطفال كنوع من الاعتذار والتعاطف.
قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : رأيت في بعض الكتب المعتبرة روي مرسلا عن مسلم الجصاص قال : دعاني ابن زياد لإصلاح دار الأمارة بالكوفة ، فبينما أنا أجصص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة ، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت : مالي أرى الكوفة تضج ؟ قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد ، فقلت : من هذا الخارجي ؟ فقال : الحسين بن علي عليهما السلام قال : فتركت الخادم حتى خرج ولطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن تذهب ، وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر وأتيت إلى الكناس ، فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ قد أقبلت نحو أربعين شقة تحمل على أربعين جملا فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة عليها السلام وإذا بعلي بن الحسين عليهما السلام على بعير بغير وطاء ، وأوداجه تشخب دماً ، وهو مع ذلك يبكي ويقول :
يا أمةَ السوءِ لا سقياً لربعكُمُ
يا أمةً لم تراع جدنَا فينا
لو أننا ورسولُ الله يجمعُنا
يومَ القيامةِ ما كنتم تقولونا
تُسيرونا على الأقتاب عاريةً
كأننا لم نُشيد فيكمُ دينا
قال : وصار أهل الكوفة يناولون الأطفال الذين على المحامل بعض التمر والخبز والجوز ، فصاحت بهم أم كلثوم وقالت : يا أهل الكوفة إن الصدقة علينا حرام ، وصارت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وأفواههم وترمي به إلى الأرض . قال : كل ذلك والناس يبكون على ما أصابهم .
[وأعظم ما يشجيِ ويُودع في الحشا
حرارةُ وجدِ دونهِا لذعةُ الجمرِ
تَصدَقُ أعداها عليها شماتةً
بما نالها بالخبزِ والجوزِ والتمرِ]
ثم إن أم كلثوم أطلعت رأسها من المحمل ، وقالت لهم : صه يا أهل الكوفة تقُتلنا رجالُكم ، وتبكينا نساؤكم ؟ فالحاكم بيننا وبينكم الله ، يوم فصل القضاء .
فبينما هي تخاطبهن إذا بضجة قد ارتفعت ، فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين عليه السلام وهو رأس أزهري قمري ، أشبه الخلق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولحيته كسواد السبج قد انتصل منها الخضاب ، ووجهه دارة قمر طالع ، والرمح تلعب بها يمينا وشمالا ، فالتفتت زينب عليها السلام فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل ، حتى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها وأومأت إليه بحرقة وجعلت تقول :
يا هلالا لما استتم كما لا
غالهُ خسفهُ فأبدا غروبا
ما توهمت يا شقيقَ فؤادي
كان هذا مقدراً مكتوباً
يا أخي فاطم الصغيرة كلمها
فقد كاد قلبها أن يذوبا
يا أخي ماترى عليا لدى الأسر
مع اليُتم لا يُطيق ركوبا
كلما أو جعوه بالضرب ناداك
بذل يفيضُ دمعاً سكوبا
ما أذل اليتيم حين ينادي
بأبيه ولا يراه مُجيبا (6).
ومن الجدير بالذكر أن هناك العديد من النساء اللاتي نصرن الإمام الحسين عليه السلام قبل واقعة كربلاء وبعدها. من هؤلاء النساء سعديّة بنت منقذ العبديّة التي كان بيتها مألفاً للشيعة يجتمعون فيه ويتحدثون في البصرة، وطوعة التي نصرت مسلم بن عقيل في الكوفة. وفي يوم عاشوراء استشهدت أم وهب بعد أن جلست عند رأس ابنها الشهيد وطلبت من الله الشهادة، فقتلها هناك مولى الشمر بعمود ضربها على رأسها.
في يوم عاشوراء، قاتلت امرأتان دفاعاً عن الإمام الحسين عليه السلام من فرط الانفعال. أمّ عبد الله بن عمر أخذت عمود الخيمة بعد مقتل ولدها وسارت إلى الأعداء، لكن الإمام أعادها إلى الخيمة. وأمّ عمرو بن جنادة أخذت رأس ولدها بعد مقتله وقتلت به رجلاً من القوم، ثم أخذت سيفاً وارتجزت وهجمت على الأعداء إلا أن الإمام أعادها إلى الخيام.
أما بعد عاشوراء، كانت الكثير من النساء اللاتي نصرن الإمام الحسين عليه السالم في طريق السبي. عندما كان الخولي حاملا لرأس الإمام الحسين عليه السلام ووصل ليلاً للكوفة فوجد القصر مغلقاً، فأتى منزله، فوضع الرأس تحت إجانة، وقد لامته زوجته النوار بنت مالك الحضرمي على هذا الفعل، وقالت له: والله لايجمع رأسي ورأسك بيت أبداً، الى أن وصل الحال إلى بيت يزيد، كان لزوجته هند موقفٌ مشرفٌ، حيثُ قامت بإنكار قتل ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله، وغسلت رأس أبي عبد الله الحسين عليه السلام.
وما ورد عن أم سعيد الأحمسية، عن الإمام الصادق عليه السلام قالت: قال لي: « يا أم سعيد تزورين قبر الحسين، قالت: قلت: نعم، فقال لي: زوريه فان زيارة قبر الحسين واجبة على الرجال والنساء» (7)، إلى يومنا الحاضر تستمر النساء في خدمة المواكب وإقامة المآتم واللطم على سبط النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وابن سيدة النساء عليها السلام، مواساة لأهل البيت عليهم السلام. بهذه المواقف البطولية، تضيف النساء فصلاً جديداً في سجل التضحية والفداء، مؤكدات أن ذكرى عاشوراء ستبقى خالدة في القلوب والضمائر.
1ـ الغاغة من الناس : هم الكثير المختلطون (الصحاح : ج 6 ص 2450 «غوى») .
2ـ المِلحَفَة : المُلاءَة التي تلتحف بها المرأة ، واللِّحاف : كلّ ثوب يُتَغطّى به (المصباح المنير : ص 550 «لحف») .
3ـ الأمالي / الشيخ الصدوق / المجلّد : 1 / الصفحة : 229.
4ـ اللهوف على قتلى الطفوف / السيد بن طاووس / المجلّد : 1 / الصفحة : 132.
5ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 45 / الصفحة : 115 / ط مؤسسةالوفاء.
6- كامل الزيارات /جعفر بن محمد بن قولويه / الصفحة : ٢٣٧.
التعلیقات