لا أرتدي الحجاب !!!
السيد حيدر الجلالي
منذ 6 سنواتتعتبر الإلقاءات والمنع والتحكّم المُحرّك، والأمر والنهي المتطرف الخارج من نطاق الاعتدال هي إحدى الطرق التي تضرّ بالتعليم الديني والأخلاقي، ففي هذه الطريقة يجبر الأبوين أولادهم على عملٍ ما، وذلك بدلاً عن إنشاء العلاقة الحميمة والصداقة
معهم والطلب منهم لفعل ذلك العمل.
من أمثلة هذه السلوك يمكن الإشارة إلى بعض النساء والفتيات اللواتي يكرهن الحجاب اليوم، أولئك اللاتي يتدربن في أسرهن الدينية التقليدية بارتداء الحجاب قهراً، وتجبرهنّ الأسرة ارتداء الحجاب، ومعاقبتهن لأقل إهمال في ذلك الأمر، ونتيجة لذلك فتلك الفتيات ليس يكرهن الحجاب وارتدائه فقط، بل يفرّرن منه، ويمنعن بناتهن من ارتدائه كذلك، وهذا كله ردّة فعلٍ لتلك الصعوبات في ارتدائهن الحجاب ومعاقبتهن لإهمالهن في ارتدائه، وأهم دليل على هذا الردّ هو عدم تثقيفهن للفهم الصحيح للحجاب والضرورة والحكمة في ارتدائه.
هناك العديد من العوامل التي تسبب غياب الحجاب وعدم ارتدائه في المجتمع منها: العوامل الفردية مثل ضعف التربية الدينية والمعنوية وترجيح الشؤون الظاهرية والمادية على الشؤون الروحية، ثم العوامل الاجتماعية مثل إهمال المخططين الثقافيين للشؤون الثقافية والدينية، وذلك بإهمال مسؤولي المجتمع عمّا يدخل من الثقافة في المجتمع من الملابس والأفلام وما شابه ذلك وما يخرج منها كالطلبة الجامعيين وحجاب النساء، والإهمال في اختلاط الجنسين في الحالات التي لا تقتضي الضرورة، وما إلى ذلك من العوامل.
لكن دور الأسرة مهم جداً هنا، فإنّ الطفل الذي تم تربيته بشكل صحيح في العائلة والذي لدية إيمان بالأسس الدينية مثل العفة والحياء، يمكن أن يُقاوم ويُناهض المجتمع ضد العوامل الاجتماعية الضارة.
وعلى الرغم من أنّه يتم الحصول على الحجاب من خلال الجهد الفردي والاجتماعي، فإنّ -اهتمام الأسرة لاختيار الزوجة الصالحة كما قال الرسول (صلى الله عليه وآله): "أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَخَضْرَاءَ الدِّمَنِ"(1) وكذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي زَوْجَةً وَدُوداً وَلُوداً شَکُوراً غَیُوراً "،(2) وكسب الحلال كما قال الإمام الصادق (عليه السلام): "كَسْبُ الحَرامِ يَبينُ في الذُّرِّيَّةِ"،(3) والاهتمام لوقت الجُماع كما عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: "فَإِنَّ مَن لَم یَذکُرِ اللّهَ عِندَ الجِمَاعِ وَکَانَ مِنهُ وَلَدٌ کَانَ ذَلِكَ شِركَ الشَّیطَانِ"،(4) والحالة النفسية عند الحمل- كلّها من الأمور التي تجعل أرضية وجود الشخص حاضراً لقبول الحق، ويستغرق وقتاً أقل لصنع وزرع أسس الحجاب (في موضوعنا هذا) في وجود الشخص.
ونظرا إلى الدور الأهم للأسرة في تبيين مسألة الحجاب للشخص، يمكن الاعتراف بأن الكثير من الأضرار، موجودة في أساليب التربية الأسرية التي من أهمها:
۱- الدَلَال والتنعم الزائد:
الحياة هي مجموعة من الصراعات ضد المشاكل، وهناك العديد من الهبوط والصعود، الحرمان والفشل، الخسارة والكوارث في طريق الحياة وفي الحياة نفسه. فالمُعلِم الجدير هو الذي يستحق رعاية جسم الشخص وروحه وتجهيزه للقتال ومقاومة مشهد الحياة وتعليمه بكيفية العمل ضدها كما قال الإمام الكاظم (عليه السلام): "تُسْتَحَبُّ عَرَامَةُ الصَّبِيّ فِي صِغَرِهِ لِیَكُونَ حَلِیماً فِي كِبَرِهِ ثُمَّ قَالَ: مَا یَنْبَغِی أَنْ یَكُونَ إِلَّا هَكَذَا".(5)
إنّ الحبّ المفرط والدَلَال الخارج عن نطاق المنطق، ومنع الأطفال من مقابلة المشاكل والصعوبات، تضرّ في تربيتهم بشكل خطير وتأثّر في تعليمهم، ويجعل الأطفال غير قادرين على مواجهة عراقيل الحياة ونزع سلاحهم أمام المشهد الواقعي المشكل في الحياة؛ ولهذا، ينبغي على الآباء ألّا يضعوا أولادهم في رفاهية لا حدود لها، بل ينبغي لهم أن يعلّموهم العمل والتعب والجديّة والمشقّة.
كذلك في مسألة الحجاب الذي هو أحد تحدّيات المرأة المسلمة، لابد من تسليح البنات على يد الأمهات بسلاح الحجاب والعفة فالأمهات اللواتي يمتنعن عن تغطية رؤوس بناتهن في سن البلوغ بحجّة أنهن لم يرتحن في هذه الحالة، ويُضايقن بارتدائه، أو يمنعهن من صيام أولادهن بحجّة ضعف أجسامهن، فسوف يوفرن الأرضية المناسبة لعدم قبول بناتهن للقوانين الإسلامية عامة والحجاب خاصة في المستقبل.
2- السلوك المُهينة
إذا كان لدينا سلوك مُهين تجاه الأطفال أو نلقي اللوم عليهم دائماً، ولم نهتم بهم أمام الآخرين، فنحن نجعلهم تدريجياً بأن يشعروا أنّهم أشخاصاً لا قيمة لهم في المجتمع، ونسبب في فقدان إحساسهم وفقدان كرامتهم وشخصيتهم. هذا الشعور هو بداية الهبوط والانحطاط، وقد نشاهد في بعض العوائل أنها تستخدم الألفاظ السيئة والقبيحة في إساءة أطفالها في البيت وبين أفراد العائلة وخارجها، لكنّهم لا يعرفون أنّه من خلال القيام بهذه الأعمال والكلمات السيئة سيحرضون، ويضخون الطبيعة القبيحة في أطفالهم، ويجعلونهم أشخاصا غير ملتزمين بالقيم الاجتماعية، بل جاهزون لكسب وعمل جميع أنواع الإنحرافات.
۳- الإجبار والإکراه:
التربية هي خَلق الإيمان والمعتقدات في قلوب الأطفال، ووفقاً لكلام الشيخ مرتضى المطهري: لا تخلق الإيمان والاعتقاد بالإكراه؛ الحب والعاطفة لا يمكن إنشائهما عن طريق الإجبار؛ لا يمكن إيجاد الميل الداخلي بالقوّة... نعم، يمكن أن يُضرب أحد ما؛ لكي يقول: بأنّني أحبّ فلاناً، ونحن نعلم أنه يكذب في كلامه، ولكن لو طُحن جميع عصي العالم على جسده، فهل لنا أن نجعله محبًا لفلانٍ في باطنه؟ هذا شيء مستحيل.
وهناك أساليب أخرى تجعل الشخص يحب الآخرين، منها عن طريق " الموعظة الحسنة"، كما قال الله عزّ وجلّ في محكم كتابه: "ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".(6)
نعم، يتحقق التعليم الديني والأخلاقي عندما توجه هذه البرامج التعليمية إلى قلب الأطفال كما يُقال: "ما يخرج من القلب يصل الي القلب". فيمكن زرع الأرضية المناسبة والقاعدة الصحيحة لارتداء الحجاب (في موضوعنا) بالتخطيط المناسب والصحيح والمُبرمج مِن قِبَل العائلة أولاً-خصوصاً الأم؛ لأنّ الطفل يصرف غالب أوقاته في البيت مع أمّه قبل دخوله إلى المجتمع- والمجتمع ثانياً؛ لأنّ كلٌ منهما يكمل طريق الآخر، ولا يمكن لأحدهما أن يُكمل طريق تربية الطفل في جمع المجالات لوحده.
1) من لا يحضره الفقيه، ج3، ص 391.
2) بحار الأنوار، ج100، ص 269.
3) وسائل الشيعة، ج ١٢، ص ٥٣.
4) روضة المتقین في شرح من لا یحضره الفقیه، ج 8، ص 202.
5) الكافي، ج6، ص 51.
6) النحل: 125.
التعلیقات