عدم رد السائل
عزّ الدين بحر العلوم
منذ 9 سنوات قبول السائل وعدم رده.
يقول الخبر عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام
:
« إن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما منع سائلاً قط إن كان عنده أعطى وإلا قال : يأتي الله به » (١).
وجاء فيما ناجى الله به موسى بن عمران عليهالسلام أنه قال :
« يا موسى أكرم السائل ببذل يسير أو بردٍ جميل » (٢).
كل ذلك لئلا يخرج السائل كسير القلب مردوداً من قبل المعطي.
ثم من يدري فلعل عملية السؤال تكون امتحاناً من الله للمنفق ليراه الله ويكشف عما تجيش به نفسه من حبه للخير للجميع بغض النظر عن الفقير ، أو من كانت نفسه غيره طيبة ، ويتحلى بضعف بحيث يرضى لنفسه أن ينزل إلى مثل هذا المستوى الضحل من الذل والإنكسار وقد جاء عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قوله :
« ردوا السائل ببذل يسير وبِليْنٍ ورحمة فأنه يأتيكم حتى يقف على بابكم من ليس بإنس ولا جان ينظر كيف صنيعكم فيما خولكم الله » (3).
وفي حديث آخر عنه صلىاللهعليهوآله ان السائل قد يصرح ويقول :
« انني رسول من الله لأبلوك فوجدتك شاكراً فجزاك خيراً » (4).
مشكلة التسول :
سبق لنا أن بينا في مقدمة الكتاب أن موضوع بحثنا هو الفقير العاجز لا الفقير المتسول الذي يتخذ من التكفف وملاحقة الناس مكسباً له فإن إعطاء مثل هذا المتحرف تشجيع على البطالة ، والاحتيال على جيوب الناس ومضايقتهم في أغلب الأوقات ومثل هذا الشخص يبغضه الله ـ وسنتعرض فيما سيأتي ـ إلى ذكر بعض الأحاديث التي صرحت بأن السائل لو لم يكن فقيراً ، ومد يده يتكفف ، فكأنما يتناول الخمر ، أو أن جزاءه النار ، أو يأتي يوم القيامة مخموش الوجه.
وقد يرد السؤال عن التوفيق بين هذه الأخبار التي يظهر منها بغض الله سبحانه للسائل ، وبين الأخبار المتقدمة التي تقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله ما منع سائلاً قط ، أو ما جاء في مناجاة لله لموسى بن عمران من قوله تعالى :
( يا موسى أكرم السائل ببذل يسير أو ببردٍ جميل ).
لأن الأخذ بظاهر هذه الأخبار إكرام السائل بإعطائه أو برده رداً جميلاً لو لم يكن المعطي يرغب في إعطائه ، ومعنى ذلك تشجيع السائل على التسول لأنه يجد فيه مرتعاً خصباً ، ومكسباً يدر عليه المال ، فهو اينما يتوجه يجد فيه مرتعاً خصباً ، ومكسباً يدر عليه المال ، فهو اينما يتوجه يجد من يكرمه ولا يرد له طلباً.
والجواب عن ذلك : أن الأخبار لم تأمرنا باعطاء المال على كل حال بل خيرت المعطي بين الإعطاء والرد وحينئذٍ فإن عرف حال السائل ، وأنه متسول رد رداً جميلاً أما لو كان محتاجاً ، وفقيراً ، أكرم ، وأعطى.
على أن هذه الأخبار ، وإن أطلق فيها لفظ السائل الشامل لكليهما المتوسل المحترف والمحتاج الحقيقي إلا أن الأخبار المصرحة : بأن النار جزاء المتسول تقيد إطلاق تلك الأخبار فتكون النتيجة : عدم رد السائل الواقعي ، ورد السائل المحترف طبقاً لأخبار التقيد ، وبذلك تنحل مشكلة التسول.
**************************
(١ و ٢) مجمع البيان في تفسيره لهذه الآية.
(3 و 4) لاحظ لهذه الأخبار وسائل الشيعة ٦ / ٢٩٢.
التعلیقات